سفينة فاسا الشراعية: الكارثة البحرية التي تحولت إلى كنز تاريخي فريد

10 نوفمبر 2025 - 9:16 م

تُعد سفينة فاسا الشراعية واحدة من أروع وأكثر القصص البحرية مأساوية في التاريخ. بنيت لتكون فخر البحرية السويدية في القرن السابع عشر، لكن مصيرها تحول بشكل دراماتيكي عندما غرقت في رحلتها الأولى بعد دقائق فقط من مغادرة ميناء ستوكهولم عام 1628. لم تكن هذه النهاية، بل كانت بداية لقصة مذهلة عن الإنقاذ والحفاظ على قطعة فريدة من التاريخ، مما يجعلها اليوم نافذة لا مثيل لها على حياة البحارة وتقنيات بناء السفن في تلك الحقبة.

جدول المحتويات

تاريخ بناء السفينة وطموحات الملك

في مطلع القرن السابع عشر، كانت السويد قوة صاعدة في أوروبا تحت قيادة الملك الطموح غوستافوس أدولفوس. كجزء من استراتيجيته لتعزيز نفوذ السويد العسكري والسياسي في منطقة بحر البلطيق، أمر الملك ببناء أسطول بحري قوي. كانت سفينة “فاسا” هي درة تاج هذا الأسطول، وقد سُميت على اسم سلالة فاسا الحاكمة.

بدأ بناء السفينة في عام 1626 في ستوكهولم، وتم تصميمها لتكون واحدة من أقوى السفن الحربية في العالم آنذاك. كانت ضخمة ومزودة بـ 64 مدفعًا برونزيًا موزعة على طابقين، وهو تصميم مبتكر ولكنه محفوف بالمخاطر. بالإضافة إلى قوتها النارية، زُينت السفينة بمئات المنحوتات الخشبية المذهبة والملونة التي تصور الأبطال والأباطرة الرومان والأسود والمخلوقات الأسطورية، بهدف إثارة الرهبة في قلوب الأعداء وإظهار قوة وثراء المملكة السويدية.

الكارثة في الرحلة الأولى: أسباب غرق سفينة فاسا الشراعية

في العاشر من أغسطس عام 1628، كان يوماً احتفالياً في ستوكهولم. تجمعت حشود غفيرة لمشاهدة الإبحار الأول للسفينة المهيبة. بعد إطلاق التحية المدفعية، أبحرت السفينة ببطء لمسافة لا تتجاوز 1300 متر. لكن ما حدث بعد ذلك كان صدمة للجميع.

أخطاء التصميم القاتلة

كانت المشكلة الرئيسية في تصميم سفينة فاسا الشراعية تكمن في افتقارها للاستقرار. أدت رغبة الملك في تزويدها بعدد كبير من المدافع الثقيلة على سطحين مرتفعين إلى جعل مركز ثقلها عالياً بشكل خطير. لم تكن كمية الصابورة (الأحجار الثقيلة في قاع السفينة لتحقيق التوازن) كافية لموازنة هذا الوزن الهائل في الجزء العلوي. تشير التقارير إلى أن اختبارات الاستقرار التي أجريت قبل الإبحار أظهرت هذه المشكلة، لكن تم تجاهلها تحت ضغط إبحار السفينة في الموعد المحدد.

يوم الإبحار المشؤوم

عندما هبت عاصفة خفيفة، مالت السفينة على جانبها بشكل خطير. لم تكن هذه الهبة قوية بما يكفي لإغراق سفينة عادية، ولكن بسبب الخلل في تصميم فاسا، تدفقت المياه بسرعة عبر بوابات المدافع المفتوحة في الطابق السفلي. في غضون دقائق، امتلأت السفينة بالماء وغرقت على مرأى من الملك والحشود المذهولة، حاملة معها حوالي 30 شخصًا إلى قاع البحر.

عملية الإنقاذ المذهلة بعد 333 عامًا

ظلت سفينة فاسا الشراعية منسية في قاع بحر البلطيق لأكثر من ثلاثة قرون. لكن في منتصف القرن العشرين، بدأ مهندس وباحث آثار بحري مستقل يُدعى أندرس فرانزين رحلة البحث عنها. كان يعتقد أن المياه الباردة والمالحة قليلاً في البلطيق مثالية للحفاظ على حطام السفن الخشبية، لأنها تمنع تكاثر دودة السفن (Teredo navalis) التي تدمر الخشب في معظم محيطات العالم.

بعد سنوات من البحث، نجح فرانزين في تحديد موقع الحطام في عام 1956. وفي 24 أبريل 1961، وبعد عملية انتشال معقدة ومذهلة تابعها العالم، ظهر هيكل السفينة شبه السليم مرة أخرى فوق سطح الماء. كانت حالة الحفظ مدهشة، حيث بقيت أكثر من 95% من أجزائها الأصلية سليمة، مما جعلها كبسولة زمنية فريدة من نوعها.

سفينة فاسا اليوم: نافذة على القرن السابع عشر

اليوم، تُعرض سفينة فاسا في متحف فاسا بستوكهولم، وهو المتحف الأكثر زيارة في الدول الاسكندنافية. إنها السفينة الوحيدة من القرن السابع عشر التي تم الحفاظ عليها بهذا الشكل المذهل في العالم. لا تقدم السفينة رؤى قيمة حول تقنيات بناء السفن الحربية في ذلك العصر فحسب، بل تكشف أيضًا عن تفاصيل الحياة اليومية للبحارة من خلال آلاف القطع الأثرية التي تم العثور عليها على متنها، بما في ذلك الملابس والأدوات والأسلحة وحتى بقايا الطعام.

إن قصة سفينة فاسا هي مزيج فريد من الطموح الملكي، والفشل الهندسي الكارثي، والنجاح العلمي المذهل في الحفاظ على التراث. إنها تذكير قوي بأن أعظم الإخفاقات يمكن أن تتحول إلى أعظم الكنوز التاريخية، مقدمة دروسًا لا تقدر بثمن للأجيال الحالية والمستقبلية.


المصدر

لمزيد من المعلومات، يمكن مشاهدة الفيلم الوثائقي من بي بي سي عبر الرابط التالي: Vasa: The Ghost Ship